طفلك يعيش اليوم في زمن تبعثرت فيه الحدود بين الثقافات، فلم يعد هناك مجال لخصوصية الثقافة في أي مكان في العالم. ولذلك ستبذلين جهداً مستمراً لمواجهة هذا الخطر القادم، ولكي تواكبي العصر، وتقدمي كلّ ما هو مفيد ونافع وممتع لطفلك من دون أن يمسه أذى تلك الثقافات التي غزت المجتمع.
الألعاب الإلكترونية في نظر أغلب الأُمّهات لا تتعدى مجرد وسيلة تسلية يعتمدها الطفل ولا تؤثر في تربيته أو ميوله وتوجهاته، حيث يبدو أنّهن اعتدن تبسيط أمر هذه الألعاب بحيث بتن لا يقدّرن مدى خطورتها على أطفالهنّ. ولكن، اعلمي أنّ واقع الألعاب مختلف عما تعتقده هؤلاء الأُمّهات. وربما تصابين بالإحباط وتتألمين كثيراً فيما بعد عندما تشاهدين الانعكاسات التي تنتج عن إهمالك، وجعل طفلك يقضي كلّ وقته منكباً على هذه الألعاب، هناك الآثار الصحية التي ترينها على جسد طفلك، أو الضعف الدراسي الشديد، أو عدم قدرته على الانخراط في التواصل مع الآخرين.
ماذا تتوقعين من طفل قابع في إحدى زوايا الغرفة وعيناه مشدودتان نحو شاشة صغيرة، تتابع صوراً متنوعة مليئة بالألوان البراقة المتحركة، ويداه تمسكان بإحكام على جهاز صغير ترتجف أصابعهما من كلّ رجفة من رجفاته، وتتحرك بعصبية على أزرار بألوان وأحجام مختلفة كلما سكن، وأذناه صاغية لأصوات وصرخات وطرقات إلكترونية تخفت حيناً وتعلو أحياناً أخرى لتستولي على من أمامها، فلا يرى ولا يسمع ولا يعي ما حوله ولا يركز إلّا بهذه الأجهزة التي بين يديه؟
إذا تعوّد طفلك على كلّ هذا، فهو بالتأكيد سيصبح عنيفاً، فالكثير من ألعاب مثل لعبة "القاتل الأوّل" ("فيرست بيرسون شوتر") على سبيل المثال، تزيد رصيد اللاعب من النقاط كلما تزايد عدد قتلاه، فهنا يتعلم طفلك أنّ القتل شيء مقبول وممتع. وهو يشارك في العنف بالقتل والضرب والتخريب والسحق والخطف ونحو ذلك، وربما كان ذلك بمسدس في يده، وهذا تدريب شخصي فردي له على القتل حتى ولو كان خيالاً.
ومن المشاهد كذلك، أنّ هناك ألعاباً تتضمن صوراً عارية غير أخلاقية، وتقوم هذه الألعاب على تقديم أفكار خبيثة لتحطيم كثير من الأخلاقيات التي تعلمينها لطفلك والنابعة من ثقافته الأصيلة التي تدعو إلى القيم والمبادئ والمثل، وتجعله مذبذباً بين ما يتلقاه من والديه ومعلميه، وبين ما يدس له من خلال الأحداث الجارية، والصور العارية، والألفاظ والموسيقى بوسائل تشويقية كثيرة، فالذكاء يصور على أنّه الخبث، والطيبة على أنّها السذاجة وقلة الحيلة، ما ينعكس بصورة أو بأخرى على عقلية الطفل وتجعله يستخدم ذكاءه في أمور ضارة به وبمن حوله.
وللعلم، فإنّ علماء الغرب استحدثوا ألعاباً إلكترونية واستبقوها لأنفسهم تسمى (المحكيات)، ولاسيّما في مجال الحروب، قاموا بتطويرها حتى أصبحت من أهم وسائل التدريب الحربي، نظراً إلى ما توفره من دور مهم في مجالات الإدارة والتخطيط والتدريب ونظم التحكم والسيطرة باعتمادها على أحدث المستجدات في مجال ما يسمى الحقيقة الافتراضية، حيث يولد جهاز الكمبيوتر عالماً ثلاثي الأبعاد، يتعامل معه المستخدم فينمي قدراته العلمية، فيجيد بذلك فن التصرف بحكمة في المواقف الصعبة، ويتيح له تنمية قدراته العقلية أيضاً، ليقوم باتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.
اقتراحات وحلول:
1- قومي بتوجيه طفلك وترغيبه لشراء الألعاب التي تنمي ذوقه وحسه الفني، والتي تساعده على التعلم.
2- شجِّعي طفلك على مزاولة الألعاب الجماعية، وتفضيلها على الأنشطة الفردية، وهذا يهدف إلى غرس حب الخير والفضيلة في نفسه، وإعطائه ثقة بنفسه من خلال مشاركته في التعليق والحوار بأسلوب فني راقٍ جذاب.
3- توجيه طفلك إلى الألعاب ذات الطبيعة التركيبية والتفكيرية، وألعاب الذكاء، والبناء، والمسابقات الثقافية في برامج الحاسب، والألعاب التعليمية.
4- تنمية مواهب طفلك المفيدة ودعمها بالمال والأدوات والمكان وتشجيعه على الاستمرار فيها.
5- تحديد ساعات معينة للعب في الألعاب المختارة بعناية، بحيث لا تزيد على ساعة أو ساعتين على الأكثر، متقطعتين غير متواصلتين، حتى لا يضيع طفلك وقته هدراً، وأنبه على أنّ خبراء الصحّة النفسية والعقلية أجمعوا على ضرورة قضاء 75% من وقت فراغ الطفل في أنشطة حركية، وقضاء 25% في أنشطة غير حركية، بينما واقع أطفالنا أنّ جلوسهم أمام التلفاز يصل إلى نحو 80% من أوقات يقظتهم، وبخاصة في الإجازات. ولكن ينبغي أن نتنبه بأنّنا حينما نحدد معه وقت المشاهدة نبيّن له أنّه من أجل صحّته لابدّ أن يقوم بنشاط حركي.
6- إشراك طفلك في زيارة الأقرباء والأصدقاء، وعيادة المريض، أو القراءة المفيدة، أو خدمة الأهل في البيت والسوق، أو أي منشط مفيد له، حتى لا تضيع فترة تربيته في إتقان اللعب واللهو، ويفقد مهارات حياتية كثيرة سوف يحتاج إليها في المستقبل.
وأخيراً، لابدّ لك أن تتأكدي تماماً من أنّ الفرح والسرور اللذين يبحث عنهما طفلك، لا يوجدان في الألعاب الإلكترونية، ذلك أنّ الفرحة الحقيقية، والضحكة النقية الصافية، إنما تنطلقان من أعماق هؤلاء الأبرياء من دون أي مؤثرات إلكترونية خادعة، ولا ضحكات هستيرية مصطنعة، لتعبر بصدق عن مشاعره المرهفة من دون تكلف، وتتحدث عن مدى استمتاعه بالحياة من دون خوف أو وجل، ومن دون استفزاز للمشاعر، أو غرس لأفكار عدوانية، ولا تخريب لأخلاقيات الفطرة السليمة بالعنف والبطولات الكاذبة. إنّ صغارنا يحتاجون منا إلى الحنان الحقيقي وأحاسيس المحبة النابعة من القلوب الكبيرة المحيطة بهم، والمناغاة والملاعبة البريئة والقصص الحلوة التي كانت تسبق النوم، والتي يجب أن نعود لها ونمارسها معهم نحن الآباء والأشقاء والأُمّهات، هذه الصورة التي من الصعب الحصول عليها في جيل آباء اليوم.
ختاماً، لابدّ لك أن تمنحي طفلك من أوقاتك، لتتحاوري معه، وتقصي عليه قصصاً تربوية تسعده، وتخرجي معه للتنزه، وتخططي لأوقاته، ليقضي وقته في ترفيه وتسلية وتعليم وثقافة.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق